21
Jul

التعاون القضائي العربي

بعد هدوء عاصفة الأحداث الأخيرة التي شهدتها الساحة العربية أخيرا بسبب أحداث رياضية, وبعد تنامي ظاهرة الاعتداء علي المصريين المقيمين خارج وطنهم, وإتلاف والاستيلاء علي أصول وممتلكات مصرية تستعين بها بعض الدول العربية في إثراء اقتصادها المتردي, يبين بجلاء مدي الحاجة إلي ملاحقة مرتكبي مثل هذه الجرائم التي تقترب كثيرا من وصف الدولية وهي جرائم لها خطورتها الواضحة في جسامة المصالح المهدرة في كل جريمة وهي مصالح جد متعددة وهي تضرب بشدة بالاستقرار الأمني الذي تنعم به البلاد حاليا. كما أن معظم مرتكبي هذه الجرائم من غير المصريين المقيمين بخارج مصر. وفي هذا المقام يثور التساؤل حول مدي إمكان ملاحقة هؤلاء المتهمين في الخارج بإجراءات عديدة تستغرق وقتا ليس بالقصير, كما أن كل دولة ينتمي لها كل متهم سوف تتذرع ـ ولاشك في ذلك ـ بعدم إمكان تسليم رعاياها.

وهنا يبرز إلي الوجود إجراء يمثل صورة حديثة للتعاون القضائي الدولي يتمثل في أمر القبض العربي الذي يعد شكلا حديثا للقبض علي المتهمين الذين يرتكبون جرائم ضد مصالح الدولة أو ضد أحد رعاياها بالخارج وكذا من يرتكبها داخل دولة, ويتمكن من الفرار إلي خارجها. ويعد أمر القبض العربي ـ الذي نقترح تطبيقه بين الدول العربية عن طريق مجلس وزراء العدل العرب المنبثق عن جامعة الدول العربية ـ فتحا مهما في التعاون القضائي العربي يمنع هروب المتهمين إلي إحدي الدول العربية بعد ارتكاب الجريمة, كما انه يحقق ـ وبصدق ـ نوعا هاما من الوحدة العربية والتضامن العربي المنتظر في مكافحة الجريمة. وبموجب هذا الأمر يمكن للسلطات المصرية القبض علي المتهمين الذين تثار حولهم أدلة جدية ودامغة علي مساهمتهم في جريمة جسيمة وقعت في الخارج( وفق تقدير السلطة مصدرة الأمر) أو في مصر, وذلك لسؤاله عن هذه الاتهامات المثار ضده بمعرفة النيابة العام المصرية. كما يمتاز هذا الأمر بالتغلب علي شرط ازدواج التجريم المتطلب لإتمام تسليم المجرمين, كما يمتاز أيضا انه يسبق تنفيذ الأحكام, حيث تسبق مرحلة التحقيق الابتدائي مرحلة المحاكم الجنائية فيتمكن المتهم من

الدفاع عن نفسه بكل ضوابط الدفاع القانونية المحلية والدولية, لايتطلب هذا الأمر تشريعا خاصا وانما يتطلب الاتفاق عليه بين الدول العربية في اجتماع مجلس وزراء العدل العرب مثل اتفاقيتي تنفيذ الأحكام القضائية وتسليم المجرمين الصادرتين عن الجامعة العربي بتاريخ1952/9/14, وبعد إقرار أمر القبض والتوقيع علي الاتفاقية يصدر التصديق عليها وبذلك تصير قانونا ضمن منظومة التشريعات المصرية عملا بالمادة151 من الدستور المصري, والأمر كذلك في معظم دساتير الدول العربية. وتقديرا منا لأهمية هذا الأمر القضائي فإننا نري أن ثمة شرائط قانونية يجب أن تحاط به تضمن اتخاذه في نطاقه الصحيح بحسبانه استثناء يجب أن يقدر بقدره ولايجوز التوسع فيه أو القياس عليه, وهذه الشروط تتمثل ـ إيجازا ـ فيما يلي:ـ(1) أن يصدر في جرائم محددة علي سبيل الحصر: ويعني هذا الشرط ضرورة تحديد الجرائم التي يمكن أن يصدر فيها أمر القبض العربي, فهو لايكون متاحا بصدد أي جريمة, وهذا التحديد التشريعي يكفل تطبيقه في نطاق ضيق, حيث تتطلب ضرورة التحقيق في تلك الجرائم الجسيمة فحسب. ولاشك لدينا أن تلك الجرائم هي التي تتصف بالشدة والجسامة وفقا لقانون الدولة ال

طالبة, سواء أكان النص عليها في قانون العقوبات أم في تشريع عقابي خاص ولايختلف الأمر في سائر التشريعات العربية لوحدة هذه التشريعات ذات الأصل اللاتيني الواحد. وبناء علي هذه الشرط يمكن أن يتم تنفيذ أمر القبض ـ علي سبيل المثال ـ في جرائم القتل العمد ـ سواء أكان بسيطا أم في ظروفه المشددة ـ وجرائم الحريق العمد وجنايات الاعتداء علي المال العام وجرائم توظيف الأموال والاتجار في المخدرات وغيرها من الجرائم الجسيمة.

(2) أن يصدر هذا الأمر من النائب العام شخصيا أو من يقوم مقامه: وهو بهذا الشرط يكتسب صفة الأمر القضائي دون حاجة لصدوره من المحكمة كما يميل الأمر الأوروبي المشابه له, واختصاص النائب العام بهذا الأمر بحسبانه ولي أمر الدعوي الجنائية وهو اختصاص استشاري له لايشاركه فيه احد مع وجوده ولايقبل منه التفويض, والعلة من ذلك أن صدور هذا الأمر يفترض مروره علي أعضاء عدة من النيابة العامة بمختلف الدرجات, فهو يصدر أولا من وكيل النيابة المحقق في صورة مذكرة يرسلها إلي المحامي العام للنيابة الكلية والذي يرسلها بدوره إلي المحامي العام الأول لنيابة الاستئناف التي يتبعها ثم إلي مكتب النائب العام الذي يتولي عرضها علي النائب العام وإذا رأي جدارة الدعوي لصدور أمر القبض فيتولي إصداره بنفسه بعد أن أحاط بالدعوي عن بصر وبصيرة وبعد أن اطمأن بعقيدة راسخة لايخالجها ادني شك حاجة الدعوي لهذا الإجراء.

(3) أن يحاط وزير العدل المصري علما بهذا القرار, وذلك عن طريق مذكرة تفصيلية من النائب العام له تتضمن بيانا وافيا للدعوي والاتهام المسند إلي المتهم والأدلة المثارة قبله وبيانا كاملا لشخص المتهم ومحل إقامته تحديدا.

(4) أن تتعهد الدولة الطالبة بتحقيق أقصي درجات العدالة الناجزة السريعة وفقا للمفاهيم العالمية وطبقا للاتفاقيات الدولية في هذا الشأن, وذلك بتوفير ضمانات الدفاع للمتهم وأن تم المحاكمة بأسرع وقت ممكن, وأن يسري علي هذا المتهم سائر الحقوق المقررة للمتهمين الوطنيين في مرحلتي التحقيق الابتدائي والمحاكمة المقررة في قانون الاجراءات الجنائية.

(5) أن تتعهد الدولة الطالبة بتحمل كافة مصاريف استدعاء المتهم منذ لحظة القبض عليه في دولته وحتي إعادته إليها حتي ولم يكن يحمل جنسيتها, ذلك لأن تنفيذ هذا الأمر سوف يحاط بمصاريف باهظة قد تحجم الدولة المطلوب إليها تنفيذ القبض عن إتمامه بسببها.

(6) أن تتعهد الدولة الطالبة بإعادة المتهم إلي الدولة التي نفذت أمر القبض حين صدور أمر بالاوجه لإقامة الدعوي الجنائية في هذه الاتهامات, وهذا التعهد الدولي هو الذي يضفي مصداقية كبيرة علي طلب تنفيذ أمر القبض, ويؤكد للكافة أن الغرض الأساسي منه هو صالح التحقيق فقط دون النيل منه أوالتنكيل به أو أي غرض آخر..

رابط المقال : اضغط هنا

الجريدة المنشور بها المقال : جريدة الاهرام يوم 17-12-2009