معركة اليونسكو وكيفية إعداد القادة المصريين
شعر كثير من المصريين بأسي بالغ وحزن عميق إثر خسارة معركة اليونسكو الأخيرة التي مثلنا فيها وزير الثقافة والتي دارت رحاها في مقر المنظمة العالمية بباريس, وعلي قدر هذا الحزن فقد تركت تلك المعركة تساؤلات هامة حول مدي استعداد الوزير والوفد الرسمي المصاحب له لهذه المعركة, وعلي قدر علمي فقد أبلي الوفد الرسمي بلاء حسنا وبذل جهدا غير عادي في معاونة الوزير في مهمته الجسيمة هذه وكان وفدا مشكلا تشكيلا رسميا رفيعا ومتوازنا من شخصيات بارزة لديهم من الثقافة والكفاءة مايكفي لانجاح هذه المهمة الجسيمة.
والواقع أن جزءا من المشكلة عندنا وليست عند غيرنا فنحن ـ ومع كل ماتتمتع به بلادنا من موارد بشرية عملاقة وثروات انسانية تحسد عليها ـ لانعرف كيفية اعداد مرشحينا للمناصب الدولية اعدادا سياسيا وعلميا ونفسيا واجتماعيا وتسويقهم دوليا أمام العالم أجمع, فما فائدة موارد وامكانات الدولة اذا لم تستغل في اعداد ابنائها للمناصب الدولية الرفيعة ومافائدة العلم الذي اكتسبه مواطنو الدولة اذا لم يسخر لخدمتها, ومافائدة علمائنا اذا لم يمثلونا في المحافل الدولية, ومافائدة أجهزتنا الرسمية اذا لم تبادر بالتسويق الدولي لمرشحينا, ولهذا يكون من المناسب الآن اقتراح انشاء مركز أو معهد بمصر لاعداد القادة من المصريين لمثل هذه المناصب الدولية تكون مهمته الاعداد الأمثل من جميع النواحي لمن تختارهم الدولة لتمثيلها في المحافل الدولية, ويمكن ببساطة ايجاز خطة مبدئية لعمل هذا المركز كالآتي:1 ـ اختيار المرشحين وهي عملية شاقة تقوم بها الحكومة في سبيل اعداد من يصلح لتمثيل دولته في المحافل الدولية في شتي المجالات, وذلك حسب الكفاءة والمقدرة الشخصية والمؤهلات العلمية للمرشح وفقا لطبيعة المنصب, مثل منصب الأمين العام للأمم المتحدة ـ وهو عنا
ليس ببعيد ـ والوكالة الدولية للطاقة الذرية ـ ولنا فيها ممثل سابق ـ منظمة اليونسكو, منظمة الصحة العالمية, منظمة العمل الدولية وغيرها من المنظمات الدولية, وهذا ليس مقصورا علي مجرد التعيين فحسب, وانما لكي يضمن لبلاده التواصل مع هذه المنظمات العالمية وبقاءه بمنصبه بدلا من تركها بعد أول فترة ولاية.
2 ـ الاعداد الأمثل للمرشح: واعني بذلك قضاء فترة مناسبة في التدريب الشاق علي مختلف أوجه العمل وشتي المجالات من سياسية واقتصادية واجتماعية ودينية وقانونية والمعلومات العامة المحلية والدولية واجادة اللغات, والبروتوكول وفن وعلم ادارة المنشآت الكبري والتواصل مع الآخرين سواء أكانوا موظفين أم غيرهم, وغيرها من الموضوعات العامة التي لاغني عنها لمن يريد أن يشغل منصبا دوليا, مع ايفادهم الي الخارج للتدريب في الجهات المشابهة للوظائف التي يتدربون عليها واستدعاء الخبراء العالميين لتدريبهم. ولاشك لدينا أن هذا التدريب سوف يستغرق وقتا ليس بالقصير وهذا هو المطلوب, فليس من المستحسن الاستعجال في هذه الأمور حتي لايكون التدريب مبتورا عديم النفع واهدارا للوقت والجهد.
3 ـ التسويق الدولي للمرشح: وهذه عملية معقدة تحتاج الي وقت طويل وجهد شاق يقوم به المختصون في الحكومة وسائر جهات الدولة بدءا من رئيسها وحتي منظمات المجتمع المدني غير الحكومية التي يجب أن تشارك مشاركة فعالة في هذا المجال ورجال الأعمال ذوو العلاقات الخارجية الواسعة, وذلك لاظهار الوجه الحقيقي للثقافة المصرية وحاجة المنصب الدولي للمرشح المصري وبيان خططه لتطوير المنظمة وتحقيق التعاون بينها وبين سائر الدول والكيانات الدولية الأخري, وهو مايؤتي بثماره من ناحية أخري في تحقيق التواصل المنشود بين الحكومة وسائر المنظمات والجهات غير الحكومية ويحقق نوعا من المشاركة الجماهيرية في اختيار ممثلي الدولة للمناصب الدولية, كما أنه يحقق اهدافا أخري عديدة لايتسع المقام لذكرها الآن.
وتجدر الاشارة الي أن التسويق الذي أعنيه هنا ينصب علي المجال الدولي أي ترويجه عالميا بكل السبل والطرق الممكنة وايجاد صيغ مناسبة للتكتلات والتربيطات السياسية فيما بين الدول والمنظمات الدولية والمنظمات الاقليمية والهيئات الدولية والمنظمات الدولية غير الحكومية مثل الصليب الأحمر ومنظمات حقوق الانسان وجماعات الضغط الدولية ذات التأثير البالغ علي صانعي القرار ومتخذيه في عديد من الدول الأوروبية وأمريكا, وتفعيل مبادئ دولية مهمة لاغني عنها في العلاقات الدولية منها المصالح المتبادلة, والمعاملة بالمثل, وذلك بقصد دفع المرشح المصري الي الأمام وضمان تأييد المجتمع الدولي.
وأعتقد أيضا أن انشاء هذا المركز المقترح سوف تكون له فوائد جمة علي المستوي المحلي أيضا, اذ يمكن للحكومة أن تلحق به من تراهم جديرين بمنصب المحافظين والوزراء ونوابهم ومساعديهم سيما من يشغل منصبه لأول مرة للتدريب علي كيفية ادارتهم للعمل بشكل عملي وعلمي في نفس الوقت واعدادهم علي مواجهة أزمات العمل المتلاحقة والتواصل مع المستجدات المحلية والدولية وسائر مايتعلق بعملهم سواء في منصب الوزير أو المحافظ أو من يقوم مقامه.
وخلاصة ماسبق أن مقياس تقدم كل دولة يقاس دائما بمدي اسهامها في صقل مهارات مواطنيها ومساعدتهم في تقلد المناصب الدولية الرفيعة ومدي الدعم المادي والمعنوي الذي تقدمه لهم لضمان بقائهم في مناصبهم الدولية أكبر وقت ممكن, فهم عدتها وزادها في قادم الأيام ولهم ثقلهم ووزنهم الدولي الكبير في القرارات التي تهمها وهذا مايجعل انشاء هذا المركز المقترح شأنا قوميا أو أمنا قوميا لامناص منه.
رابط المقال : اضغط هنا
الجريدة المنشور بها المقال : جريدة الاهرام يوم 8-10-2009