20
Aug

جرائم قتل المصريين بالخارج وانعكاساتها القانونية والدولية

أثارت جريمة مقتل الشهيدة المصرية مروة الشربيني في ألمانيا اهتماما بالغا في مصر والعالم العربي علي مختلف الأصعدة والمستويات الشعبية والرسمية, ومبلغ هذا الاهتمام أن هذه الحادثة قد جاءت امتدادا لحوادث جسام وقعت في السنوات الفائتة كانت كلها علي قدر كبير من الأهمية, وكان الجامع بينها أن المجني عليهم فيها من المصريين المقيمين بالخارج, وتراوحت أسباب حدوثها من أسباب فردية شخصية إلي اعتبارات دينية إلي هواجس سياسية, وأخيرا إلي تعصب عنصري وتمييز عرقي يدين به من نفذ هذه الاغتيالات.

ولاشك لدينا في إنكار المسئولية الدولية لدولة ألمانيا عن هذه الواقعة بشقيها, ذلك أن المسئولية الدولية للدولة لها شرائطها الخاصة, وأركانها المحددة التي لاقيام لها في هذه الحادثة المؤسفة, إلا أن هذا لايعني علي الإطلاق عدم إمكان ملاحقة مرتكبي هذه الواقعة, بل العكس هو مانقصده وننادي به, وهو الملاحقة الجنائية ليس فقط للمتهم الالماني ذي الأصل الروسي الذي قتل الشهيدة مروة الشربيني, بل يمتد أيضا إلي الضابط المتهم بإصابة زوجها, وفي شأن هذا الضابط المذكور قد يبدو غريبا علي المختصين في القانون الجنائي والدعوي الجنائية أنه كيف يتسني لشخص ـ بمفرده وبدون مساعدة من آخرين ـ أن يطعن آخر ثماني عشرة طعنة بسلاح أبيض وفي وسط سراي المحكمة, وكم من الوقت يستغرقه أثناء تسديده هذه الطعنات القاتلات التي حدثت علي مرأي ومسمع من جميع الحضور في سراي المحكمة, وأين كانت قوة حراسة المحكمة في هذا الوقت؟ ولماذا لم يتدخل أي فرد من المتواجدين بالمحكمة لرد هذا الاعتداء؟ وإذا سلمنا ـ جدلا ـ بأن الحراسة في المحاكم المدنية أقل كثافة من نظيرتها في المحاكم الجنائية, فهل شاهدها أحد من هؤلاء الحراس؟ ولماذا لم يستعمل أحد من هؤلاء الحراس
سلاحه الأميري في الدفاع عن المجني عليها حال الاعتداء عليها وهو هنا في موقف من يؤدي واجبه وهو سبب إباحة لفعله وهو مايأخذ به التشريع الألماني باعتباره أحد أفرع النظام اللاتيني الذي يعتنقه مشرعنا المصري أيضا.

علي الرغم من كل ماسبق فإن تداعيات جميع حوادث القتل التي تقع للمصريين بالخارج تثير تساؤلات عديدة منها ما يتعلق بالاعتبارات القانونية ومنها ما يتعلق بالاعتبارات الدولية: أما ما يتعلق بالاعتبارات القانونية فهو مدي اختصاص القضاء والقانون المصريين بهذه الوقائع, ويبدو لنا أن الأمر لايثير أي صعوبة بالنسبة للمختصين والمشتغلين بالقانون سيما القانون الجنائي, ولكن لغير هؤلاء أقول إن اختصاص القانون المصري بالجرائم التي ترتكب بالخارج تحكمه المادتان الثانية والثالثة من قانون العقوبات المصري وفقا لقاعدة إقليمية القانون الجنائي وحاصل هذه القواعد أن الجرائم الواقعة داخل الإقليم المصري تخضع للقانون المصري بصرف النظر عن جنسية مرتكبها سواء أكان مصريا أم أجنبيا وفقا للمادة الأولي من قانون العقوبات, أما الجرائم المرتكبة في الخارج فتخضع للقانون المصري في حالتين أولاهما إذا ارتكب المتهم فعلا يجعله فاعلا أو شريكا في جريمة وقعت كلها أو بعضها في مصر( م1/2 من قانون العقوبات) أو كانت الجريمة من الجرائم المحددة حصرا في الفقرة الثانية من المادة2 سالفة الذكر, وهو مايعرف بمبدأ عينية القانون الجنائي, أما بالنسبة لانطباق ال
قانون المصري وفقا لجنسية الشخص فهناك مبدأ شخصية القانون الجنائي المنصوص عليه في المادة الثالثة من قانون العقوبات وهذا المبدأ له وجهان حسب جنسية المتهم والمجني عليه. والأول يعني تطبيق القانون الجنائي علي كل من يحمل جنسية الدولة و لو ارتكب جريمته في الخارج, وهذا الوجه له تطبيقات في القانون المصري, أما الوجه السلبي فهو تطبيق القانون الوطني علي كل جريمة يكون المجني عليه فيها متمتعا بجنسية الدولة ولو كان مرتكب هذه الجريمة أجنبيا أو ارتكبت خارج الإقليم المصري, وهنا يجب أن نقرر بوضوح أن القانون المصري لايعرف مبدأ شخصية القانون الجنائي في شقه السلبي, ولهذا فإن الجنسية المصرية للمجني عليه ليست ذات اعتبار في تحديد نطاق النص الجنائي المصري من حيث المكان, وبناء علي ذلك فإن كل وقائع قتل المصريين بالخارج التي يكون فيها المتهمون من الأجانب فقط بدون شركاء مصريين لايختص بها القانون المصري ـ كأصل عام.

أما الاعتبارات الدولية التي تترتب علي هذه القضايا فهي مايتعلق بالتعاون القضائي الدولي: وهذا النظام المتعارف عليه دوليا يقوم علي أن العالم بأسره قد أصبح متشابك المصالح ومترابط الأهداف, وأن ثمة جرائم لايتوقف أثرها الإجرامي علي الإقليم الذي وقعت به فحسب, بل يمتد أثرها وانعكاساتها علي بعض الدول الأخري, لذلك يكون حتميا التعاون والتضافر الدولي بين أفراد أسرة المجتمع الدولي في مكافحة الجريمة وملاحقة المجرمين أينما كانوا, وهذا المبدأ وإن كان قد ازدهر كثيرا عند ملاحقة مجرمي الجرائم الحديثة مثل الجرائم المنظمة وغسل الأموال, والجرائم الالكترونية والإرهاب الدولي, فإن أهمية هذا التعاون الدولي تكون أولي وأجدي في مكافحة الجرائم التقليدية ـ وأهمها جرائم القتل العمد والشروع فيه ـ وتعقب مرتكبيها

والقبض عليهم ومحاكمتهم في الدولة التي يتواجدون بها, وذلك اتساقا مع القاعدة الدستورية المستقرة في أغلب الدول وهي حظر تسليم الرعايا ومنها الدستور المصري الذي ينص عليها في مادته51. وهذا التعاون الدولي القضائي يستند إلي عديد من الاعتبارات الهامة منها علي سبيل المثال: أنه يعد أحد الإجراءات الواقية والتدابير المانعة من ووع الجريمة, كما أنه يعد أحد مظاهر التقدم الحضاري والرقي القانوني والقضائي للدول, ذلك لأن هذا التضامن والتكاتف الدولي يدل علي سمو القانون الوطني وارتقائه إلي مصاف العالمية بتكاتفه مع القوانين الأجنبية من أجل هدف مشترك وغرض واحد هو تعقب وملاحقة المجرمين, وأخيرا فإن هذا التعاون الدولي يعد استجابة واضحة لاعتبارات العدالة الجنائية الدولية إذ يعترف بالإجراءات التي تقوم بها الدولة بديلة عن الدولة طالبة الإجراء, ويقر للأحكام الجنائية الأجنبية بقوة تنفيذية بشروط معينة, ويشجع علي توسيع دائرة تسليم المجرمين في مثل هذه القضايا وغيرها.

وبناء علي ماتقدم فإن قضية مقتل المواطنة المصرية مروة الشربيني وإصابة زوجها علوي عكاز قد أحاطتها السلطات الرسمية بعناية خاصة تجلت في الاستنكار الرسمي الصادر عن مجلس الوزراء, وبعض الجهات الأخري, ثم تجلي هذا الاهتمام في أوضح صوره في المتابعة الرسمية للتحقيقات وفقا لقرار النائب العام بسفر مندوب خاص عن النيابة العامة المصرية للاطلاع علي التحقيقات الجارية في ألمانيا حول هذه القضية وهو مايعد في حقيقته نوعا هاما من التعاون القضائي الدولي الذي أشرنا إليه واستعمالا للحقوق المقررة بموجب المواثيق الدولية, كما أن السماح للمندوب المصري بتوجيه اتهامات معينة للمتهمين( عن طريق السلطات الألمانية) هي القتل العمد مع سبق الإصرار والترصد للمجني عليها مروة الشربيني, والشروع في القتل العمد لزوجها علوي عكاز وذلك للمتهم الأول, وبالنسبة للضابط توجيه تهمة الشروع في قتل المجني عليه علوي عكاز والتعمد في الإخلال بواجبات الوظيفة الشرطية بمنع المتهم من الاعتداء علي المجني عليها واستخدام سلاحه الرسمي في غير الغرض المخصص له, وهي اتهامات جنائية وتأديبية تستدعي محاكمته العاجلة عنها.

الواقع أن التعاون القضائي الدولي بات أمرا في غاية الأهمية لتوثيق صلات الدول ببعضها البعض لمكافحة الإجرام بشتي أنواعه التقليدية والحديثة, وأنه لايقتصر علي الحديث من الجرائم بل ان أساس وجود هذا التعاون الدولي كان لمكافحة الجرائم التقليدية وتعقب مرتكبيها, وأنه وإن كنا نسلم بأن مصر ترتبط ـ فعلا ـ مع عديد من الدول باتفاقيات في هذا الشأن, فإننا نري أن مصر لاتزال في حاجة ماسة إلي المزيد من هذه الاتفاقيات مع بعض الدول سيما التي يكثر تواجد المصريين فيها لأي سبب مثل الدراسة أو العمل أو السياحة, وأنه قد آن الأوان لصدور تشريع مصري قائم بذاته يجمع كل ما يتعلق بالتعاون القضائي الدولي في المسائل الجنائية ينفذ كقانون من قوانين الدولة, ومثل هذا القانون سوف يتيح للجهات الحكومية المصرية سلطات واسعة في هذا المجال, وسوف تتعدد مآثره ومنافعه لصالح المصريين المجني عليهم في مثل هذه القضايا.

رابط المقال : اضغط هنا

الجريدة المنشور بها المقال : جريدة الاهرام يوم 15-8-2009